التطويبات
'شروحات عامة عن التطويبات
محتويات
- ١ طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السماوات
- ٢ طوبى للحزانى لأنهم سيتعزون
- ٣ طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض
- ٤ طوبى للجياع والعطاش إلى البر لأنهم يشبعون
- ٥ طوبى للرحماء فإنهم يُرحمون
- ٦ طوبى لأنقياء القلوب لأنهم سيعاينون الله
- ٧ طوبى لصانعي السلام فإنهم أبناء الله يُدعون
- ٨ طوبى للمضطهدين من أجل البر.. طوبى لكم إذا عيروكم واضطهدوكم
- ٩ أنتم ملح الأرض
- ١٠ أنتم نور العالم
طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السماوات
القديس يوحنا الذهبي الفم بطريرك القسطنطينية ( 347- 407 )
المساكين بالروح هم المتواضعين والمنسحقي القلوب ، لأنه يعني بالروح هنا النفس. ولا يقصد به من هو متواضع ومتذلل بالإكراه، بل أولئك الذين باختيارهم ومحبتهم يضعون أنفسهم ويذللونها والذين تعتريهم خشية ورهبة لدى سماع الوصايا الإلهية . يقول الله " إلى هذا أنظرُ إلى المسكين والمنسحق الروح والمرتعد من كلامي " ( أش 66: 2 ). وذلك الإنسان الذي ينزل إلى أقصى حدود الإتضاع ويكسر نفسه " الذبيحة لله روح منسحق، القلب المتخشّع والمتواضع لا يرذله الله " ( مز 50: 17 ).
لأن أكثر الشرور جسامة هو الكبرياءوبواسطته دخل الخراب إلى العالم وصار إبليس شريراً، وبه سقط الإنسان الأول حيث انتفخ بكبرة إبليس ونال الفناء بعد أن أعدّه الله للخلود، فهذه الرذيلة معقل آثامنا وأصل كل الشرور والدواء المناسب لها هو الإتضاع والإنسحاق . وكل صوم وكل صلاة أو عفة أو صدقة إذا اجتمعت في بشر ما دون وجود الإتضاع فسيتلاشى الكل ويزول. هكذا الفريسي الذي وصل إلى الذروة في تطبيق شريعة الله لكنه فقد كل شيء بسبب كبريائه وتبجّحه على أخيه بعفته وصيامه. لقد افتتح السيد كلامه لا بالنصح والترغيب، بل بالمدح والتطويب . حتى لو كنت عبداَ أو متسولاً أو غريباً فلا شيء يحول دون أن تكون مطوّباً عند الرب إذا تمثّلت " المسكنة بالروح " ...
للمزيد راجع المسيحية |
يسوع المسيح |
الكراسي الخمسة القديمة |
القديس غريغوريوس النيصي ( 331- 395 )
إن اقتناء الإتضاع ليس ميسوراً بل هو أصعب من الفضائل الأخرى لأنه ليس هناك بليّة على طبيعتنا البشرية تفوق الكبرياء . والمسيح ينصحنا بالاقتداء بمن صار مسكيناً بحق وطواعية، وهو الذي يحمل الطوبى الحقيقية في طبيعته. لنتشبه به بقدر استطاعتنا بمسكنة إرادية حتى نشاركه بطوباويته الخاصة . المسكين بالروح هو شخص يستعيض عن رفاهية الجسد بغنى النفس، ويطرح عن نفسه السعي وراء الثروة ليطير محلقاً في فرح الرب، فالذهب ثقيل أما الفضة فخفيفة وتسمو بلا توقف بنا . ومن غير الممكن لمن هو محمّل بثقل المادة أن يحس بخفّة روحه.
القديس أوغسطين أسقف هيبو بشمال أفريقيا ( 354- 430 )
إن الأقوال التي نطق بها ربنا على الجبل كفيلة بأن تقود حياة من يحيا بها لكي يؤسس بيته على الصخر، وهي المبادئ الكبرى لأن المبادئ الصغرى أُعطيَت بالناموس . هذه المبادئ الكبرى أعطيت بواسطة ذلك الذي وحده يعرف كيف يقدم للبشر الدواء المناسب لحياتهم. والرب يعني بالمساكين أولئك المتواضعين الذين عندهم مخافة الله ولا تنتفخ روحهم " لأن مخافة الرب هي بدء الحكمة " ( مز111: 10 ) ولأن " الكبرياء بدء الخطيئة " ( ابن سيراخ 10: 13 ) . فليطلب المتكبرون ملكوت الأرض اما المتواضعون فلهم ملكوت الله .
القديس كيرلس الإسكندري بطريرك الإسكندرية ( 375- 444 )
المقصود بالمساكين " كما يروي البشير لوقا دون إضافة بالروح " هؤلاء الجديرون بالتطويب الذين لا همّ لهم بالغنى ولا يشتهون ما يملكه الآخرون ، وقد زهدوا الخيرات الدنيوية ومقتوا المال . إنهم كلّهم معنيون بكلام المخلص " لا تكنزوا لكم كنوزاً على الأرض " ( متى6: 19 ).
-
طوبى للحزانى لأنهم سيتعزون
القديس غريغوريوس النيصي
يُراد هنا بالحزن تشجيع النفس على السعي وراء الخير الحقيقي دون استسلام لإغراءات الحياة، فهناك أناس لا يعلمون مقدار النعمة التي حُرمنا منها بسقوط آدم ونسله، فيقضون حياتهم سعياً وراء اللذة الحسية والجسدية، وباكتفائهم بهذه اللذة يمتنعون عن السعي إلى ما هو أفضل. لا يطوّب الله الحزن بحد نفسه بل بسبب ما يولّده فينا من رغبة للسعي وراء الأفضل، وفي التعزية يتحول الحزن إلى غبطة وفرح روحي عميق. أمر الله موسى في العهد العتيق في فروض الفصح بأخذ الخبز الفطير غير المختمر ومزجه بالأعشاب المرة للطعام، كرمز إلى انه لا يمكننا ان نشارك في العيد السري ونعيّد روحياً ما لم نمزج مرارة الحياة الحاضرة بالحياة الصافية التي بلا خطيئة. يوجد عالمان كل منهما يقدم شكلاً من الحياة، كما يوجد نوعان من الفرح أحدهما للعالم الحاضر والآخر للعالم الآتي حيث رجاؤنا. ويطوّب السيد من يضع رجاءه في الخيرات الحقيقية غير الفانية، فيقبل حزن هذه الدنيا العابر حارماً نفسه من أفراحها ومسرّاتها منتظراً ومترجيّاً النعيم الأسمى والتعزية التي هي هبة الروح القدس المعطى لنا بنعمة الرب يسوع المسيح له المجد.
القديس يوحنا الذهبي الفم
لا يغبّط الرب أولئك الذين يعيشون في غم وفقر وحزن هذه الحياة ، رغم أن كل الناس يدعونهم بؤساء؛ بل هو يقصد المحزونين من اجل الخطايا. أما الحزن لأجل امور الدنيا فهو محرّم وهذا ما يعلنه القديس بولس " الحزن الذي بحسب مشيئة الله ينشيء توبة لخلاص بلا ندامة، وأما حزن العالم فينشيء أمواتاً " ( 2كور7: 10 ). لقد اقتضت محبة الله ان الذين يحزنون على الخطاء التي ارتكبوها أو يحزنون على خطايا أخوتهم البشر الآخرين، لا يكفي أن ينالوا الغفران فحسب بل أعطاهم الطوبى والفرح الدائم والتعزية الفياضة بروحه القدوس، كما كانت نفوس القديسين الذين حزنوا مرات عديدة من أجل آثام ليست آثامهم.
في لوقا 6: 12 يطوّب الرب الباكين، والباكين بنظر الله هم الذين يذرفون الدموع ليتخلصوا من بقية الأمور الدنيوية المعيقة لانطلاقتهم الروحية " كثيرة هي شدائد الصديقين ومن جميعها ينجيهم الرب " ( مز33: 19 )
إن أولئك التائبين إلى الله يفقدون أشياء اعتادوا عليها وعزيزة عليهم، وسيكابدون حزناً ما إلى ان تحل فيهم محبة الأبديات، لكنهم سيتعزون بالروح القدس.
-
طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض
القديس يوحنا الذهبي الفم
يحثّنا الرب بحافز العطايا والنعم في الدهر الحاضر أيضاً لأن غالبية سامعيه يطلبون عطايا هذا الدهر قبل عطايا الدهر الآتي. وهكذا يمزج الرب الأمور الروحية بالمحسوسات. فالرب يعد افنسان الوديع بأنه لن يفقد ما يمتلكه بسبب وداعته – كما يعتقد البعض – إلا أن كلامه لا يحصر الجزاء في حدود الأمور الزمنية بل يتجاوزها إلى الأمور الروحية، ويحثنا أولاً على طلب الملكوت وبقية الأشياء كلها تُزاد للمؤمن ( مت6: 33 ، 19: 29 ).
القديس غريغوريوس النيصي
الوداعة الإنجيلية هي الهدوء الثابت المتبصّر وهي مضادة لعنف الإنفعال السريع، وهي طريق صاعد نحو العلاء عكس الطبيعة الطائشة التي تندفع إلى الأسفل بسبب ثقلها. وإرادة الواحد منا يمكن ان تتخذ بمحض إرادتها أحد اتجاهين: الاتزان وضبط النفس، أو التطرف وعدم الانضباط. وهكذا يمكن للطبيعة البشرية ان تختار بين اتجاهين متضادين: إما الغضب أو الوداعة، إما الكبرياء أو التواضع، إما الحسد او محبة الآخرين، إما الكراهية أو الكرم الذي ينم عن سخاء النفس والسلام الداخلي. التواضع قرين بالوداعة ومن أغلق الباب أمام الكبرياء لن يجد الغضب سبيله للدخول، وحينما ينتفي الغضب تعرف الحياة الراحة والسلام الداخلي.
-
طوبى للجياع والعطاش إلى البر لأنهم يشبعون
القديس يوحنا الذهبي الفم
بين لنا الرب سمات الرحمة التي يجب أن نتحلى بها، إنه يطوّب مجرد من يطلبون البر وهم جياع وعطاش له، مؤكداً بذلك الحرارة والغيرة اللتين ينبغي علينا أن نتصف بهما إذا كنا نسعى حقاً لاقتناء هذه الفضيلة. الرب لا يريد لنا أن نجوع ونعطش لتكديس ثروات بل لاقتناء الفضيلة.
القديس غريغوريوس النيصي
عندما يتكلم الرب عن البر والتقوى إنما يقصد ذاته المزمع أن يقدمها ويعطيها لنفوس سامعيه الجائعة، فهو من صار لنا حكمة من الله وبراً وقداسة ( 1كور1: 30 ) .. من عطش وجاع إلى الرب يأتي الروح القدس فيهيء ذاته ليتمم الوعد الإلهي " أبي وأنا نأتي إليه ونقيم فيه مسكناً " ( يو14: 23 ). فإذا جعنا إلى برّ الله حقيقة فسنُشبَع منه في المسيح يسوع الذي يدوم مجده إلى أبد الدهور.
إذا عولج الجرح بدواء مناسب وشفي لا يعود صاحبه يعاني بعد من الألم، وإن الجوع لا يعالج بالطعام لأنه يسد الرمق إلى حين فقط، ويظل جرح الضعف البشري بلا علاج ولا شفاء. فهلموا بنا نجوع ونعطش إلى البر حتى نشبع بذلك البر الذي نجوع ونعطش إليه. وحينما نشبع يعني أننا سنكون مع من نعطش ونجوع إليه . قال الرب " أنا هو خبز الحياة النازل من السماء " وَ " من يشرب من الماء الذي أنا أعطيه لن يعطش أبداً " .
طوبى للرحماء فإنهم يُرحمون
القديس يوحنا الذهبي الفم
إن طريق إظهار الرحمة متعدد الوجوه والوصية هنا لا حدود لها، وإن بدت كنوع من الجزاء المتكافيء " من يَرحم يُرحم " ، لكن في الحقيقة الجزاء أعظم بكثير وبما لايقارن من عمل الصلاح الذي يؤديه هؤلاء الرحماء، لأنهم وإن يظهرون رحمة بشرية لكنهم سيُرحمون من رب البرايا، وما من تماثل بين رحمة الله ورحمة الإنسان ولا مقارنة بينهما.
تعامل بالرحمة مع الآخرين يتعامل الله بها معك، فقد تكون أنت في يُسر من جهة الأمور الزمنية وفي عسر من جهة الأمور الأبدية، فمن يطلب منك رحمة يكون متسولاً، وانت متسول وكلاكما على باب الله، له توسله ولك توسلك، كما تعامل قارع بابك يعاملك الله وأنت قارع بابه. أنت جائع وشبعان معاً، فأشبع الجوعان من شبعك حتى يُشبع جوعك بالشبع الإلهي .
القديس غريغوريوس النيصي
الشفقة هي المودة الحارة الممزوجة بالألم حيال شدائد وضيقات الآخرين، وإن مشاركة الآخرين في أفراحهم هو تفاعل كل الناس، لكن المشاركة في بؤس الآخرين هو الصفة المميزة لأولئك الذين يضطرمون بالمحبة الحقيقية. إن أعظم الفضائل هي المحبة، وأما الرحمة فهي فيض المحبة زدليل وجودها، ومن يحفظ نفسه بهذه الحالة فهو ينال أعظم التطويب لأنه بها يبلغ غاية الكمال. وينبغي ألا يُنظر إلى هذه الوصية بشكل مادي، فمن لم يتمكن أن يمنح إحساناً لضيق المعيشة ليس أدنى منزلة في حياته الداخلية ممن تمكن أن يعبر عن عطفه بالأعمال الظاهرة، إذ تُكتشف المحبة في النية.
طوبى لأنقياء القلوب لأنهم سيعاينون الله
القديس يوحنا الذهبي الفم
الأنقياء هم من بلغوا إلى قمة الفضائل ولم يبقَ في نفوسهم شر، ومن يضبطون أنفسهم ويترفعون عن كل شر، وبدون القداسة لن يعاين أحد الرب ( عبر12: 14 ) وهنا يتكلم السيد عن الرؤية النسبية حسب احتمال الإنسان.
كيف تريد بعينين ضعيفتين أن ترى إشراق الشمس؟ اجعل عينيك سليمتان ليكون النور مبهجاً لك ولا يكون مؤذياً. إذ ليس ميسوراً للقلب غير الطاهر أن يشاهد ما لايمكن معاينته إلا بالقلب النقي، وإلا لن ترَ الله. لقد طوّب السيد كثيرين : المساكين بالروح، الودعاء، الحزانى ... لكنه لم يعد أحداً منهم برؤية الله؛ أما أنقياء القلب فيعدهم برؤية الله بعيني القلب، وهذه الأعين تستنير بالإيمان في الزمن الحاضر وأما في الزمن الآتي فسنراه عيانياً ( 2كور5: 6، 1كور13: 12 ). الكتاب المقدس يتكلم عن وجه الله وذراع الله ويديه وقدميه وعرشه... لكنها ليست أعضاء جسد بشري، فإذا أردت أن تكون هيكلاً للحق دُس على وثن الباطل؛ فيد الله هي قوته ووجهه هو معرفته ( العلاقة الشخصية معه ) وقدمي الله هما حضوره وعرشه هو أنت نفسك ، فأين يكون عرش الله إلا حيث يكون الله ويحلّ؟ وأين يحل إلا في هيكله؟ وهذا الهيكل هو نحن. انتبه اذاً كيف تستقبل الله " الله روح وينبغي أن يُعبد بالروح والحق " ، دع تابوت العهد يدخل قلبك وتعلم أن تتوق إلى الله. ولكن بماذا نطهّر عيوننا؟ يقول الكتاب " إذ طهّر بالايمان قلوبهم " ( أع15: 9 ) فالإيمان يطهر القلب والقلب الطاهر يرى الله؛ أما الإيمان الظاهري الذي يعزي البعض نفوسهم به إنما هو مماثل لإيمان الشياطين ( يع2: 19 ) لكن الشياطين لا يعاينون الله إذ ليس لهم نقاوة القلب. فإيماننا يختلف عن إيمان الشياطين بنقاوة القلب التي لنا. لقد اعترف الشيطان بأن المسيح هو قدوس الله ( لو4: 34 ) واعترف بذلك بطرس، لكن الشيطان انتُهر اما بطرس فمُدح بسبب اختلاف القلب. فلنميز أنفسنا إذاً غير قانعين بالايمان فقط ، فالايمان المطهر للقلب هو " الإيمان العامل بالمحبة " ( غل5: 6 ) الذي يترجى مواعيد الله أي الإيمان الرجاء المحبة ، والرجاء ضروري ما دمنا لم نعاين بعد ما نؤمن به وهو رفيق الإيمان .
القديس غريغوريوس النيصي العظة على الجبل تعلمنا كيف يصبح القلب نقيا. والرب يفرق بين خطايا تبدو في الأعمال الخارجية وخطايا تتولد في النفس من الداخل. في شريعة العهد القديم كان الله يعاقب على خطايا تظهر ف الأعمال، أما في العهد الجديد فهو يدخل أعماق النفس مستأصلاً الشر من أساسه. وكما يعلمنا العهد القديم ألا نقتل، يعلمنا العهد الجديد أن نبعد عن القلب كل غضب تجاه الآخرين. ثم يطلب منا الرب ألا نرد على الإهانة بل وأن نتقبّلها وأن نعطي من يسألنا بدون أن يطلب ويمحو من القلب كل الانطباعات المنحرفة الخاطئة الحمقاء المؤدية إلى الفساد مصححاً عيوبنا واحدة فواحدة. خلاصة القول أن محراث كلمة الله يقتلع من قاع قلوبنا جذور الخطيئة الدفينة مانعاً إياها من النمو، لكن مما لاشك فيه فإنه لا يمكن الوصول بلا معاناة إلى هذه " الطوبى ". وأنه يمكن القول " الويل لمن امتلأت نفوسهم بالأدناس لانهم لا يرون وجهاً آخر سوى وجه إبليس "
طوبى لصانعي السلام فإنهم أبناء الله يُدعون
القديس يوحنا الذهبي الفم
إلى جانب رغبة الله في أن نزيل الخصام والكراهية من جهة بعضنا البعض، فهو يريد أن يجعل المتخاصمين والمتنازعين واحداً فهذا هو عمل ابن الله الوحيد، والمكافاة هي أن يكونوا أبناء الله.
إن الأبناء يحملون شبه أبيهمفهم صانعو سلام في أنفسهم أولاً، فبإخضاع شهواتهم الجسدية يصيرون ملكوتاً لله حيث يحكم ويسود الجانب الأسمى في الإنسان على بقية العناصر التي تشاركنا بها الحيوانات ( الغرائز الجسدية )، وكل عنصر سامٍ في الإنسان من عقل وفكر يخضع لما هو أسمى منه أي الحق ذاته الذي هو يسوع المسيح.. هذا هو السلام الذي أعطي للناس ذوي الإرادة الصالحة " على الأرض السلام وفي الناس المسرة ". وعندما يقوم السلام في الداخل ويرسخ فإن أي اضطهادات يثيرها الشيطان من الخارج إنما هي لمجد الله فلا يستطيع أن يزعزع شيئاً، ويُعلن بذلك عِظَمَ القوة التي بني عليها ذلك الكيان.
طوبى للمضطهدين من أجل البر.. طوبى لكم إذا عيروكم واضطهدوكم
يعني بالبر عمل الفضيلة والرب يشجعنا على احتمال كل ما قد يقال عنا، ويعلن أنه ينبغي أن نتوق إلى هذه الأشياء التي يخشاها الناس ولكنه حدد أن يكون ذلك من أجل الرب وأن تكون الأمور المتكلم بها عنا محض افتراء كاذب لكي يستحق الإنسان هذه الطوبى.
القديس كيرلس الكبير
تحدث الرب عن الاضطهاد الذي سيلحق بالمسيحيين لأنه كان مفروضا أن يصطدم هؤلاء بمن لا تقوى لهم ولا حياة ظاهرة... حتى أن عنف هذه الأمور واحتمالهم لها يكون لهم مصدر مكافأة حسنة وامتياز عالي، فيكون عربون غبطة ابدبة.
أنتم ملح الأرض
القديس يوحنا الذهبي الفم
يلمح الرب هنا إلى أهمية التلاميذ القصوى للعالم أجمع لأن الطبيعة البشرية فقدات مذاقها الجيد بسبب الخطايا ، فالصالح يسعى أن تفيض ينابيع الصلاح لمنفعة الآخرين ولكن هل سيُصلحون ما فسد ؟ لا يمكن إصلاح ما تلف برش بعض الملح عليه ، بل من تجدد وتحرر من الطبيعة الفاسدة عليه أن يصون نفسه ويبقى على صلاحه. تحرير البشر كان من آثامهم عمل المسيح أما صيانتهم وعدم عودتهم لها فهو من عمل الرسل.
القديس هيلاريون أسقف بواتييه ( القرن الرابع )
الملح يمنع المواد المرشوش عليها من الفساد ، وحيث أن الرسل مبشرين بالأمور السماوية فهم ينشرون بذار الخلود ببثهم كلمة الإنجيل في كل مكان ، حافظين بذلك الجماعات التي بشروها لحياة الخلود.
أنتم نور العالم
يدعو الرب تلاميذه ليكونوا نوراً للمسكونة كلها أن يكونوا شديدي الحرص لأنهم على مرأى من كل الناس ظاهرين لكل الملأ ، هؤلاء البسطاء الذين هم غير معروفين في وطنهم سيغدون معروفين على مستوى العالم ويبلغ صيتهم أقاصي المسكونة. من المحال أن يخفى ما ينادون به ، يقول السيد لهم أنه قد أضاء النور وأن من واجبهم الحفاظ على ديمومة ضيائه بالعيش وفق حياة جديرة بنعمة الله، لأنهم بذلك لا يصلحون العالم بل يعطون تمجيداً لله كذلك . لم يطالب السيد تلاميذه بأن يُظهروا أعمالاً صالحة ، بل أن يعيشوا حياة صالحة فيضيء نورهم قدام البشر ولا شيء يرفع الإنسان أكثر من الفضيلة فبها يلمع الشخص بنور بهي ويرقى إلى السماء.'