جبل آثوس
يصف النص التالي وضع جبل آثوس كما كان في السنوات 1960- 1966. ولقد تحسن الحال منذ ذلك الوقت بشكل ملحوظ. على الرغم من أن الاديرة غير اليونانية لم تستطع أن تستقبل العديد من الرهبان الجدد، فقد شهدت الاديرة اليونانية ازدياداً مثيراً في عدد ونوعية رهبانها. وتجدر الملاحظة أن العديد من هؤلاء الرهبان موهوب وعلى مستوى من الثقافة عال وتلاحظ هذه النهضة بصورة خاصة في اديرة سيمونوس بيترا وفيلوثي وغريغوريو وستافر ونيكيتا. ويرأس كل هذه الأديرة آباء روحيون من الدرجة الأولى:
"جبل أثوس، على غرار معهد خالكي ، ليس ذا طابع يوناني بحت، بل دولي. فمن بين الأديرة العشرين الرئيسية هناك سبعة عشر ديراً يونانياً، أما الثلاثة الباقية فروسي وصربي وبلغاري. في الحقبة البيزنطية كان أحد هذه الأديرة جورجياً كما وُجدت أيضاً أديرة لاتينية. إلى جانب هذه الأديرة الرئيسية، هناك عدّة أديرة مهمة وعدد لا يحصى من المناسك الصغيرة. يوجد أيضاً حتى الآن عدد من النساك، ويعيش معظمهم في الطرف الجنوبي من شبه الجزيرة على ضفاف هوّات مخيفة، داخل أكواخ أو مغاور، لا يمكن بلوغها أحياناً، إلاً بواسطة سلالم قديمة مهتزة.نعثر إذاً فوق الجبل المقدس على أشكال الحياة الرهبانية الثلاثة التي سبق أن وُجدت في مصر خلال القرن الرابع وهي الحياة الجماعية والحياة شبه الجماعية والنسّاك. وهذا برهان واضح على استمرارية الأرثوذكسية. وواجه جيل آثوس مشاكل عديدة، أهمها تضاؤل عدد الرهبان بشكل مثير. يكفي أن نقارن بين سنة 1903 والأرقام سنة 1965 وهذا الانحدار سيزداد على الأرجح لأن غالبية الرهبان الموجودين حالياً متقدون في السن. وصحيح أنه في بعض الفترات، كما في بداية القرن التاسع عشر على سبيل المثال، كان عدد الرهبان أدنى مما هو عليه اليوم، إلاّ أن الهبوط المفاجئ الذي شهدناه في السنوات الخمسين الأخير مثير للقلق. ويُنظر في الحياة الرهبانية نظرة لا مبالاة أو احتقار في جزء كبير من العالم الأرثوذكسي المعاصر ولا سيما في بعض الأوساط اليونانية، الأمر الذي يفسّر جزئياً غياب الدعوة الرهبانية التي يعاني منها جبل آثوس. سبب آخر يكمن في الوضع السياسي. ففي السنة الـ 1903، كان أكثر من نصف الرهبان من السلافيين أو الرومانيين، إلا أن عدد هؤلاء قد تضاءل جداً لتعذر مجيء رهبان جدد. فإن دير بندلايمون الروسي الذي كان يعد 1978 عضواً السنة 1904، بقي فيه أقل من 60 السنة الـ1956. والأبنية الضخمة التابعة لدير زوغرافو البلغاري أضحت عملياً فارغة. أحد الزوار الذين عرّجوا منذ فترة قصيرة على منسك يوحنا المعمدان الروماني وجد بعض الرهبان القلائل الباقين على قيد الحياة يلتحفون الخرق البالية وأكياس القنّب، والبناء في طريقه إلى الخراب بسبب الحاجة للمال. في العام 1966، وبعد مفاوضات طويلة، سمحت الحكومة اليونانية لخمسة رهبان روس من الاتحاد السوفياتي أن يأتوا إلى دير القديس بندلايمون ، كما قبلت أن يدخل دير زوغرافو أربعة رهبان من بلغاريا. ولكن هذا لا يكفي إذ الوضع يحتاج إلى قبول أعداد أكبر من الرهبان. ومن بين الجماعات غير اليونانية يُعتبر الدير الصربي في وضع أفضل، إذ سمح منذ بعض الوقت لعدد كبير من الشباب من يوغسلافيا الالتحاق به. في الحقبة البيزنطية كان الجبل المقدس مركزاً للانتاج اللاهوتي، لكنه خسر هذا الدور الآن على أنه توجد بوادر للنهضة. ولقد أُعيد فتح المدرسة الآثانية اللاهوتية السنة الـ1953 على أمل استقطاب نوع جديد من المبدئين لإعدادهم. والأب ثيوكليتوس من دير ديونيزيو يقصد بانتظام إلى أثينا وسالونيك ويتكلم في اجتماعات عامة. وقد وضع كتاباً مهماً بعنوان "بين السماء والأرض" عن الحياة الرهبانية، كما كتب دراسة عن القديس نيقوديموس الآثاني. والأب جبرائيل الذي رأس دير ديونيزيو لسنوات عديدة معروف بدوره وهو شديد الاعتبار في كل بلاد اليونان. على أنه من الخطأ أن نحكم على جبل آثوس أو أي مركز رهباني آخر انطلاقاً من عدد أفراده أو نوعية إنتاجهم الأدبي. فالعبرة ليست في الحجم أو مدى التفقة بل في نوعية الحياة الروحية. وإذا ما صادفنا في جبل آثوس اليوم اليوم بعض الدلائل المقلقة على التدهور، فإننا نعثر أيضاً فوق هذا الجبل المقدس على رجال صلاة، وعلى نسّاك وقديسين حسب التقليد الأرثوذكسي في أشد أشكاله طهارة. احد هؤلاء الرهبان، الأب سلوأن (1866- 1938) الذي عاش في دير القديس بندلايمون الروسي. كان من أصل فلاح بسيط متواضع وبدت حياته في ظاهرها هادئة لا تعرف المشاكل، إلاّ أنه خلف وراءه تأملات عميقة مؤثرة وقد نقلت إلى لغات عديدة (انظر كتاب الأرشمندريت سوفروني, The Undistorted Image: Staretz Silouane. London, 1958. أنصح بإلحاح بقراءة هذا الكتاب الممتاز لأولئك الذين يريدون تكوين فكرة عن الروح الرهبانية الأرثوذكسية وعن الحياة فوق جبل آثوس. انظر أيضاً كتاب "الراهب سلوان والحرب اللامنظورة "، لديفو بارسوتي، منشورات النور.). راهب آخر هو الأب يوسف الذي توفي السنة الـ 1959 وهو يوناني عاش حياة نسكية في "المسك الجديد" في جنوب جبل آثوس، وجمع حوله عدداً من الرهبان الذين كانوا يمارسون تحت إشرافه تلاوة صلاة يسوع باستمرار. وطالما أن جبل آثوس يضمّ رجالاً من أمثال يوسف وسلوان فإنه لن يتوانى قط عن رسالته." -انتهى النص-
وعدد الرهبان حالياًَ هو 2250 راهب.
مواضيع ذات صلة