غريغوريوس بالاماس

من ارثوذكس ويكي
اذهب إلى: تصفح، ابحث

مهاجرون مقّربون من القصر

ولد القديس غريغوريوس بالاماس في مدينة القسطنطينية في العام 1296 للميلاد. كان من عائلة من النبلاء. أبوه وأمه مهاجران من بلاد الأناضول تركاها إثر غزوة الأتراك لها. كان أبوه عضواً في مجلس الشيوخ مقرباً من الإمبراطور البيزنطي أندرونيكوس الثاني باليولوغوس. يروى عن أبيه أنه كان يتعاطى الصلاة القلبية ويغيب عما حوله حتى في محضر الإمبراطور. وقد كان يحدث أن يطرح عليه أندرونيكوس سؤالاً فلا يجيبه لأنه كان غارقاً في صلاته. ويبدوا أنه صار راهباً واتخذ اسم قسطنديوس عندما أحس بدنو أجله. أما أمه فكانت هي الأخرى تقية، حادة الذكاء، تتمتع بمواهب جمة. وقد كان لها على ابنها أطيب الأثر. كما اقتبلت هي أيضاً الحياة الرهبانية. كان لغريغوريوس أربعة أخوة، أختين وأخوين. وإثر وفاة أبيه تعهّد العائلة الإمبراطور أندرونيكوس. وهكذا تيسر لغريغوريوس أن يحصل قدراً وافراً من العلم الدنيوي. كما أمضى سنواته حتى العشرين أو الثانية والعشرين في القصر الملكي. يروى عنه أنه كان صعباً عليه، أول أمره، أن يحفظ غيباً فكان يركع ثلاث مرات ويصلي لوالدة الإله صلاة حارة. وبمعونتها توصل إلى الحفظ عن ظهر قلب بسهولة. درس البيان والخطابة والطبيعيات والمنطق. وقد أبلى في الفكر الفلسفي بلاء حسناً، لا سيما في المنطق الأرسطوي حتى كان يبدو لمعلميه وكأنهم يسمعون فيه أرسطو بعينه.


لا لوظيفة، نعم للدير

ولك تغر غريغوريوس نجاحاته ولا كانت له في دنيا الوظائف العامة طموحات. لذا حوّل طرفه ناحية أخرى تحرّك صوبها قلبه بكليته: الرهبنة. اعتاد قبل ذلك أن يلتقي رهباناً ينحدرون من الجبل المقدس (آثوس). وكان هؤلاء يرشدونه إلى الابتعاد عن العالم ويشجعونه على الذهاب إلى الجبل المقدس. كما كانوا يوصونه بالتروّض على أتعاب الفضيلة قبل ترك العالم. وهكذا بدأ بالسلوك في الفقر إلى حد أن بدأ من حوله يظنون أنه فقد عقله. وقد كان له في شخص ثيوليبتوس، أسقف فيلادلفيا العتيد، خير أب روحي ومعلم حثّه ونشّاه على يقظة القلب والصلاة النقية.


العائلة إلى الرهبنة

أخيراً عزم غريغوريوس على ترك العالم والانصراف إلى الحياة الرهبانية الملائكية. ولما كان بكر أخوته وصاحب الكلمة الأولى في العائلة محل أبيه، فقد رأى أن الحل الأوفق يتمثل في أن يترك هو وأمه وأخواه وأختاه والخدم العالم ويقتبلوا الحياة الديرية. وهكذا كان: توزعت الأم والأختان والخدم على أديرة في القسطنطينية وارتحل غريغوريوس وأخواه، مكاريوس، وثيودوثيوس، إلى الجبل المقدس(آثوس). كان ذلك في العام 1316 للميلاد.


في عهده أب هدوئي

نزل غريغوريوس وأخواه في مكان قريب من دير فاتوباذي في الجبل المقدس، ووضعوا أنفسهم في عهده أب هدوئي يدعى نيقوديموس. الهدوئية طريقة رهبانية نسكية تتمثل في حياة نصف مشتركة يتحلق فيها الرهبان حول شيخ روحاني فيسلكون في النسك والصلاة ويذهبون في السبوت والآحاد إلى الدير الذي يعتبر اسقيطهم من توابعه ليشتركوا في الخدم الليتروجية وسر الشكر. أمضى غريغوريوس في هذا الموضع ثلاث سنوات قضاها في الصلاة والصوم والشهر. كان ذكر والدة الإله لديه دائماً، يستعين بها على نفسه. ويذكر مترجم سيرته انه فيما كان يصلي مرة ظهر له يوحنا اللاهوتي، شيخاً وقوراً، وقال له: "لقد أرسلتني إليك ملكة الكل والفائقة القداسة لأسألك لما تصرخ إلى الله في كل ساعة: أنر يا رب ظلمتي! أنر ظلمتي؟؟ فأجاب غريغوريوس: وماذا أطلب أنا الممتلئ أهواء وخطايا غير الرحمة والاستنارة لأدرك مشيئة الله القدّوسة وأعمل بهت؟ فقال له الإنجيلي: أن سيدة الكل تقول لك بواسطتي أنها جعلتني معها معيناً لك في كل شيء. فسأله غريغوريوس: وأين تريد أم ربي أن تساعدني أفي الحياة الحاضرة أم في الآتية؟ فأجاب يوحنا الإنجيلي: في الحياة الحاضرة والآتية معاً…".


إلى اللافرا فإلى الصحراء

توفي أخو غريغوريوس الأصغر، ثيودوسيوس، وهكذا نيقوديموس الشيخ فانتقل غريغوريوس وأخوه الثاني، مكاريوس، إلى دير اللافرا الكبير الذي كان أول دير في الجبل المقدس(آثوس) والذي أسسه القديس اثناسيوس الآثوسي في القرن العاشر للميلاد. بقي غريغوريوس في اللافرا ثلاث سنوات ساد خلالها بنعمة الله والجهاد المرير والنسك الشديد لا على أهوائه وحسب بل حتى على ضرورات الطبيعة. فلقد حارب النعاس وتغلب عليه إلى حد أنه بقي ثلاثة أشهر بلا نوم إلا قليلاً من الراحة بعد الطعام حتى لا يفقد عقله صوابه. بعد ذلك خرج غريغوريوس إلى الصحراء طالباً المزيد من الخلوة والهدوء، فاستقر حيناً في اسقيط يدعى"غلوسيّا" حيث تتلمذ لناسك شهير في الهدوئية اسمه غريغوريوس البيزنطي فأخذ عنه الأسرار الفائقة للصلاة العقلية ولرؤية الله السامية. وقد اكتسب خلال إقامته في هذا الاسقيط تواضعاً عميقاً اقترن بمحبة لا توصف لله والقريب. كما ساعدته الخلوة والهدوء على تركيز العقل في القلب والدعوة باسم الرب يسوع بنخس، فأضحى كله صلاة وصارت الدموع العذبة تتدفق من عينيه كمن معين ماء لا ينضب. لم تطل إقامة غريغوريوس في هذا الاسقيط أكثر من سنتين أو ثلاثة غادر بعدها إلى تسالونيكي بسبب غارات القراصنة الأتراك(1325م)، وكان بصحبته اثنا عشر راهباً من الأخوة.


الهدوئية العامة

في تسالونيكي ، اشترك غريغوريوس لبعض الوقت في حلقة روحية كان يقودها ايسيدوروس، بطريرك القسطنطينية العتيد وأحد تلامذة القديس غريغوريوس السينائي. الفكرة من هذه الحلقة كانت أن الروحانية الهدوئية ليست للرهبان وحدهم بل العامة المؤمنين أيضاً. وعليه سعى غريغوريوس وايسيدوروس إلى نشر ممارسة صلاة الرب يسوع بين الناس من حيث هي الأداة لتفعيل نعمة المعمودية.


مثال في الفضيلة

سيم غريغوريوس كاهناً وهو في سن الثلاثين(1326م). ثن انتقل إلى منطقة فاريا الواقعة على الحدود بين مقدونيا وتراقيا واستقر في إحدى مغاورها الجبلية نظير النساك القدامى. هناك، فيما يبدو، قسى على نفسه أشد القسوة، فكان لا يخرج من قلايته خمسة أيام كاملة في الأسبوع إلا السبت والأحد ليشترك في خدمة الأسرار الإلهية وينفع اخوته بكلام روحي. وقد تركت هذه المرحلة من حياته بصماتها على صحته البدنية فأصيب بمرض في الأمعاء. كان الرهبان والنسّاك في منطقة فاريا ينظرون إلى غريغوريوس كمثال لحياة الفضيلة لأن حياته الملائكية، على حد تعبير مترجمه، "كانت تدهش الجميع وتدخلهم في نشوة"، وكذا كلامه وحكمته الإلهية الفائقة. كما"كان يظهر في بعض الاحيان يقظاً متجهاً كله إلى الله مغتسلاً بدموعه العجيبة، واحياناً أخرى كان وجهه يظهر بشكل فائق الطبيعة بهياً لامعاً ممجداً بنار الروح القدس ، خاصة عندما كان يخرج من القداس الإلهي أو من هدوء صلاته في القلاية".


إلى آثوس من جديد

لم يطل المقام في فاريا أكثر من خمس سنوات إذ اضطر تحت غارات الصربيين إلى العودة إلى الجبل المقدس(آثوس) حيث نزل في منسك القديس سابا التابع لدير اللافرا الكبير والرابض فوق أكمة تعلو على الدير ويحتاج قاصدها إلى ساعة سيراً على الأقدام ليصل إليها. هناك أنصرف غريغوريوس إلى تواصل أعمق وربه فبلغ معاينة الله في نور الروح القدس و التأله. هنا يروي مترجمه أنه فيما كان ذهنه مرة ملتصقاً بالله "أخذه نعاس خفيف فعاين الرؤيا التالية:ظهر وهو يمسك بيديه وعاء مملوءاً حليباً. وقد أخذ الحليب فجأة يفيض كنبع وينسكب خارج الوعاء. ومن ثم ظهر وكأنه استحال خمرة ممتازة زكية الرائحة… فجأة ظهر له إنسان نوراني بلباس عسكري وقال له: لما لا تعطي يا غريغوريوس للآخرين بعضاً من هذا الشراب العجيب المنسكب بغزارة بل تتركه يذهب هدراً؟ ألا تعلم أنه هبة من الله ولن ينضب أبداً؟ فأجاب غريغوريوس: لا طاقة لي على منح مثل هذا الشراب لأحد ولا يوجد من يطلب مثل هذا النوع من الشراب. أجابه الرجل: وإن لم يكن ثمة من يسعون في طلب مثل هذه الخمرة، في الوقت الحاضر، فإن عليك أن تعمل وسعك ولا تتهاون في تقديمه للآخرين. أما الإثمار فمتروك لله". هكذا أيقن غريغوريوس أنه قد آن الأوان لمباشرة عمل كتابي يفيد منه من يحرّك الله قلوبهم.


بعض مقولاته

كتابات القديس غريغوريوس عظيمة الأهمية. لذا، وإكمالاً للفائدة نورد بعض مقالاته. يقول انه متى أعتزل الإنسان العالم واستغرق في النشوة الكاملة للروح فإن الله يكشف له ذاته. إذ ذاك تنشقّ الظلمة ولا يبقى غير نور الله يدعونا إليه مؤطرا ًبنار معتمة. هذا النور هو الله نفسه. فإن صلى المرء بمنتهى البساطة في القلب وكرر الكلمات " ربي يسوع المسيح ، ابن الله،ارحمني" أيضاً وأيضاً، فإنه يؤدي، بذلك، العمل الفائق الذي من أجله ُخلق، لانه سيجد نفسه أخيراً في دائرة الضوء الذي أشرق على قمة ثابور يوم التجلي الإلهي. كان غريغوريوس يرى الكون مشحوناً بطاقة(Energy) التجسد الإلهي وكذا بجمال العذراء مريم. في عينه أن الأرض موضع إلهي يكاد لا يحتمل. فإن نور التجلي في الجسد، بحراً لا حد له يفيض بصورة عجيبة من شمس وحيدة هي جسد المسيح. يقول:" في الاسم القدوس طاقة إلهية تخترق قلب الإنسان وتغيره متى انبثّت في جسده". وكان يؤمن أن ثمة نفساً إلهياً معطى للناس يتحرك في أجسادهم المادية، والجسد يقتني القداسة بهذا النفس الإلهي المنسكب فيه، وأن الجسد كالنفس مخلوق على صورة الله وهو ليس شراً بحال. وللقديس غريغوريوس قول مأثور عن أهمية الجسد " إن الإنسان بفضل كرامة الجسد المخلوق على شبه الله هو أسمى من الملائكة". كان يقول انه من النفس تنسكب في الجسد طاقة إلهية بصورة متواصلة وأن الملائكة وإن كانوا أدنى إلى الله فلا أجساد لهم تنسكب فيها الطاقة الإلهية على هذا النحو. وعنده أن الإنسان يصبح إلهاً متى انكب على التأمل وعاين في موضع القلب نور التجلي المتوهج. هذا ومع القديس غريغوريوس انتهى الجدل الذي طالما كان قائماً بين قائل بإمكان إدراك الإنسان لله وقائل بخلاف ذلك. فبما أن نعمة الله صار بالإمكان معاينتها في النور غير المخلوق المتدفق في "موضع القلب"، وبما أن الرهبان، ولا سيما القديسين، يتمتعون بهذه النعمة، في أعمق تأملاتهم، لذا يخلص غريغوريوس إلى ظان الله بات بالفعل قابلاً للمعاينة لأنه هو إياه هذا النور. ومع ذلك يبقى الله، إلى الأبد، غير منظور، يبقى في جوهره. بكلمات القديس غريغوريوس نفسه: "ليس لنا أن نشترك في الطبيعة الإلهية ، ومع ذلك، بمعنى من المعاني، لنا أن نشترك، وبيسر، في طبيعة الله، لأننا ندخل في شركة معه، فيما يبقى الله تماماً وفي الوقت نفسه بمنأى عنا. لذا نؤكد معاً، وفي وقت واحد، أمرين متناقضين نسرّ بهما ونعتبرهما مقياساً للحقيقة". على هذا خلص القديس غريغوريوس إلى ظان التجلي الإلهي على قمة ثابور هو أعظم ما أتاه الرب يسوع المسيح من أعمال. التجلي الإلهي يفوق حتى سر الشكر. وقد كتب "أن نور ثابور هو ملكوت الله". لم يكن نوراً مفاجئاً لأنه لا بداية له ولا نهاية، لا يحد في زمان ولا مكان ولا يمكن إدراكه بالحواس العادية. ومع ذلك صار معروفاً والذين اشتركوا في طاقة الله عرفوه وتألهوا به. فالتلاميذ الذين وقفوا فوق قمة ثابور قد رأوا النور وأضحوا كائنات سماوية لأنهم لما حدّقوا فيه تروحنت أجسادهم. هذا النور المعمّي عاينه القديس بولس في دمشق وايليا النبي عندما أخذته عن الأنظار عربة النار و موسى عندما وقف بالعليقة المحترقة. وكيف يلتمس المرء هذا النور؟ قبل كل شيء، بالتوبة والدعوة باسم يسوع واستدعاء رحمة الاسم القدوس. القديس غريغوريوس بالاماس هو لاهوتي الروحانية الأرثوذكسية الأول. إن كل آباء البرية والذين استغرقوا في خبرة صلاة الرب يسوع والتماس النور الإلهي قالوا واختبروا ويختبرون ما سكبه القديس غريغوريوس في قالب أجاد في حبكه. وقد كان التعبير عن هذا التراث الحي غاية في الأهمية في القرن الرابع عشر لأن الروحانية الأرثوذكسية تعرّضت، آنئذ، لهجمات من الداخل والخارج كان يمكن أن تحولها عن مسارها وتغير ملامحها وتلقيها في خضم التيارات الفكرية التي بدأت تعبث بالغرب، آنذاك، والتي تمثلت في بعث الفكر الفلسفي الإغريقي والوثنيات القديمة وتمخضت، فيما بعد، عن التيارات العقلانية والحركة البروتستانتية ، كما خلقت المجتمعات الدهرية التي أخذت ترتكز على الفلسفة الإنسانية والأخلاقيات دون الإلهيات وأفرغت ما يعرف بفلسفة"الله مات" .


المواجهة التاريخية

في هذا الإطار كانت المواجهة التاريخية الشهيرة بين القديس غريغوريوس بالاماس و الراهب برلعام. كان برلعام من كالابريا، في جنوبي إيطاليا، يوناني اللسان. جاء إلى مدينة القسطنطينية خلال العامة1338 فذاع صيته في أوساط المفكرين فيها كعالم وفيلسوف مميز، كما خصّه الإمبراطور ورئيس وزرائه بإكرام وتقدير كبيرين. كان برلعام أرثوذكسياً في الظاهر وقد كتب ضد اللاتين. قال بعدم إمكان معرفة الله في ذاته، واستند في تعاطيه مع مؤلفات الآباء الشرقيين إلى تحليلاته الذهنية والفلسفية دون الخبرة الصلاتية، لذا اصطدم لما كان يدّعيه الهدوئيون من إمكان معرفة الله ومعاينة النور غير المخلوق عن طريق صلاة الذهن في القلب والتركيز والإيقاع الجسديين الموافقين لها. فشن عليهم حملة شعواء وكفرهم بحجة الخروج على عقائد أساسية مسلم بها في الكنيسة. إذ ذاك انبرى القديس غريغوريوس بالاماس للدفاع عن تراث طالما عاش الرهبان في كنفه وخبروه حياً في ذواتهم على مدى الأجيال. وطبعاً كان لكل من الاثنين، غريغوريوس وبرلعام ،مناصرة في كافة الأوساط: القصر والجيش والأساقفة والمفكرين والرهبان وحتى العامة. وهكذا قامت الدنيا ولم تقعد ردحاً من الزمان. في هذه الفترة بالذات كتب القديس غريغوريوس ثلاثيته في الدفاع عن القديسين الهدوئيين. وقد التأم مجمعان، خلال شهري حزيران وآب من العام 1341، في أروقة آجيا صوفيا، وأدانا برلعام الذي تحوّل إلى الغرب وصار أسقفاً في إيطالياً. غير أن رحيل برلعام لم يكن كافياً لوضع حد للصراع، فقام أكندينوس بمتابعة الحملة ضد القديس غريغوريوس والرهبان وناصره في رأيه بطريرك القسطنطينية ، يوحنا كاليكاس ، لأسباب سياسية. ولكن، أقيل البطريرك في العام 1347م وأخذ مكانه ايسيدوروس الذي زكّى غريغوريوس وجعله أسقفاً على سالونيك. وكان أهم المجامع المنعقدة في هذا الشأن ذاك الذي التأم في شهر تموز من العام 1351م والذي أدان آخر أعداء بالاماس، الفيلسوف نقفر غريغوراس، وأعلى شأن القديس غريغوريوس والكتابات التي وضعها من حيث تعبيرها الصادق والصافي عن إيمان الكنيسة الأرثوذكسية.


وقوعه في الأسر

ولعل أخر وأهم حدث في السنوات الأخيرة من حياة القديس غريغوريوس كان وقوعه في الأسر. فبينما كان ينتقل بطريق البحر من تسالونيكي إلى القسطنطينية وقع في أيدي القراصنة الأتراك الذين استاقوه إلى آسيا الصغرى حيث بقي أسيراً ما يقرب من سنة(1353-1354م). أمران أساسيان ميّزا هذه الفترة من حياة قديسنا، كما يتضح من الرسائل والوثائق العائدة إليها، أولهما التسامح الكبير الذي كان الأتراك يعاملون به المسيحيين، سواء الأسرى منهم أو سكان المناطق المحتلة، والثاني اهتمام القديس غريغوريوس بالدين الإسلامي. وقد تجلى الأمر الأخير بصورة خاصة، في الحوار الصريح الذي كان للقديس غريغوريوس مع الابن الأكبر للأمير التركي أورخان . ونتيجة هذا الحوار عبّر قديسنا عن الأمل في أن "يحل يوم" على حد تعبيره، "يصبح بإمكاننا أن نفهم بعضنا بعضاً…" ويبدو أن قديسنا عاش في هدوء خلال القسم الأكبر من هذه الفترة في دير من ديورة نيقيا إلى أن افتداه بالمال بعض الأتقياء الصرب.


رقاده

أما رقاد القديس غريغوريوس فكان في تسالونيكي في الرابع عشر من شهر تشرين الثاني من العام 1359 للميلاد، بعد أشهر من المرض الشديد. ويذكر مترجمه أنه "بعد أن فارقت جسده روحه الطاهرة، أظهرت نعمة الروح القدس البهاء الداخلي الذي كان في نفسه وذلك بطريقة عجيبة، إذ أن نوراً ساطعاً ملأ تلك القلاية التي كانت فيها رفاته. فاستضاء وجهه وجسده لم يزل بعد جاثياً يابساً قبل الدفن…وقد لازمت نعمة الروح القدس رفاته الشريفة واستبان مسكناً للنور الإلهي ومنبعاً للعجائب والمواهب ومستشفى عاماً مجانياً. لذلك لقب بالعجائبي…" هذا وقد أعلنت قداسة القديس غريغوريوس في مجمع عقد في القسطنطينية بعد تسع سنوات من رقاده، في العام 1368م، برئاسة تلميذه وصديقه، فيلوثاوس، البطريرك المسكوني ، وهو الذي كتب سيرته. وقد وصفه المجمع بأنه "الأعظم بين آباء الكنيسة".